نموذج C-STEAM نحو تعليم متكامل بالهوية والثقافة والابتكار
كناشة الورق
كناشة الورق
٣١ يوليو ٢٠٢٥

نموذج C-STEAM نحو تعليم متكامل بالهوية والثقافة والابتكار

في العقود الأخيرة، أصبح التعليم المتكامل أحد المحاور الرئيسة لإصلاح المنظومات التربوية في العالم. ومن أبرز هذه النماذج نموذج STEAM، الذي يدمج بين العلوم (Science)، التقنية (Technology)، الهندسة (Engineering)، الفنون (Arts)، والرياضيات (Mathematics)، في إطار تعلم نشط قائم على المشروعات وحل المشكلات.

ومع وضوح فعالية هذا النموذج، من خلال العديد من التجارب التطبيقية في بعض المدارس وعلى مستوى مختلف دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية، فقد ظهرت الحاجة لإضافة بعدٍ جديد يعزز الانتماء ويغرس الهوية الثقافية في المتعلم. وهنا بزغ نموذج C-STEAM، بإضافة الحرف C الذي يرمز إلى الثقافة (Culture)، ليصبح التعليم تجربة شاملة تربط بين المهارات الحياتية والجذور المحلية.

ما هو نموذج C-STEAM؟

هو نموذج تعليمي تكاملي يجمع بين مجالات STEAM، ويضيف إليها البعد الثقافي بهدف دمج الهوية، والتاريخ، والتراث المحلي في التجربة التعليمية. هذا النموذج لا يسعى فقط إلى تأهيل الطلبة معرفيًا ومهاريًا، بل يسعى كذلك إلى بناء مواطن واعٍ بجذوره، منفتح على العالم.

تقول الباحثة Wang (2022):

"Culture is not an external theme added to STEM education, but an essential lens through which students make sense of knowledge"

يسلّط الاقتباس أعلاه الضوء على أن الثقافة ليست إضافةً اختياريةً إلى تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات (STEAM)، بل هي جزءٌ لا يتجزأ من كيفية فهم الطلاب لمفاهيم STEAM وتعلمهم لها. ويُشير إلى أن الخلفية الثقافية تُشكّل وجهات نظر الطلاب، وتُؤثّر على تجاربهم التعليمية، وفي نهاية المطاف، تُؤثّر على كيفية فهمهم للمعرفة.

أهمية إدخال البعد الثقافي في التعليم:

1.    فهم سياق الابتكار البشري: يساعد الطلاب على فهم أن التطورات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات لم تحدث من فراغ، بل هي نتاج سياقات ثقافية واجتماعية معينة. على سبيل المثال، يمكن دراسة مبادئ الهندسة المعمارية المرتبطة بالهياكل القديمة (مثل الأهرامات أو المساجد التاريخية والعمارة الإسلامية) لربطها بالفيزياء والرياضيات والتاريخ.

2.    تعزيز الهوية والانتماء: يكون الطلاب أكثر استعدادًا للتعلم عندما يشعرون أن المحتوى يعكس ثقافتهم ومجتمعهم.

3.    تحفيز الإبداع: الثقافة مصدر غني للحكايات، والقصص، والفنون والحرف التقليدية اليدوية، الموسيقى الشعبية والفنون الأدائية التي يمكن استثمارها كمصادر إلهام في المشروعات التعليمية.

4.    حل المشكلات الواقعية ذات الصلة الثقافية: يمكن للطلاب استخدام مهاراتهم في العلوم والتكنولوجيا لحل مشكلات مرتبطة بالتراث الثقافي، مثل:

  • تصميم تطبيقات رقمية للحفاظ على اللغات المهددة بالانقراض.
  • استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لإعادة بناء آثار تاريخية تضررت.
  • تطوير حلول هندسية مستوحاة من التصميمات المعمارية التقليدية والمستدامة.

5.     تنمية الوعي العالمي: من خلال استكشاف الثقافات المختلفة، يكتسب الطلاب منظورًا عالميًا أوسع، مما يعزز التعاطف والتفاهم بين الثقافات. يمكنهم رؤية كيف تتجلى مبادئ STEAM في أشكال متنوعة عبر الثقافات حول العالم. الأمر الذي يسهم في تقدير الاختلاف وتعزيز الفخر بالذات.


أمثلة تطبيقية على C-STEAM

1.   أطوالنا مثل النخيل:

       يقيس الطلاب (ابتدائي) أطوالهم ويقارنونها بأطوال أنواع مختلفة من النخيل المشهورة في مناطقهم. توظيفاً للرياضيات، العلوم، البيئة، الهوية (النخيل رمز من رموز الهوية السعودية)

2.   مشروع الهندسة المعمارية من التراث للمرحلة المتوسطة:

يقوم الطلاب بتصميم نموذج هندسي لمحاكاة بيت طيني تقليدي باستخدام أدوات رياضية وهندسية، مع دراسة خواص المواد المحلية (العلوم)، وتوثيق البناء بفيديو فني (الفنون)، مع تحليل تاريخي للبيوت القديمة (الثقافة).

3.   مشروع الروبوت الحكواتي:

يمكن للطلاب تصميم روبوت بسيط يُحاكي سرد القصص الشعبية، مدمج بتقنيات برمجية بسيطة (التقنية)، ويجمع حكاية تراثية محلية بلغة معاصرة، مما يعزز حب اللغة والثقافة.

4.   حساب المسافات التاريخية بالخطوات:

إعادة تمثيل "رحلة الحج القديمة" لمسافة معينة داخل المدرسة، وتقديرها بعدد الخطوات، والوقت، والسرعة، توظيفاً للفيزياء، الرياضيات، التاريخ

5.   ورشة فن الزخارف الإسلامية في الرياضيات: المرحلة الثانوية

يمكن للطلاب دراسة الأنماط الهندسية التي من خلالها يمكن تشكيل الزخارف الإسلامية باستخدام البرمجيات مثل GeoGebr، أو أي لغة برمجة يتقنونها مع توظيف الفن والرياضيات في فهم الزخرفة الإسلامية التقليدية.

6.   خريطة التراث بالمجسّمات: 

    يُنتج الطلاب خريطة مجسّمة لمناطق المملكة، ويضعون فيها رموزًا تمثل الملبوسات أو المأكولات الشعبية توظيفاً للجغرافيا، الفن، الرياضيات، الثقافة.

7.   البيوت الطينية الذكية:

    تصميم نموذج بيت تراثي سعودي (مثل النجدي أو الحجازي) وتطوير فكرة لتحويله إلى بيت ذكي باستخدام حساسات بسيطة. توظيفاً للذكاء الاصطناعي، اللغة، الثقافة، التفكير المنطقي.

8.   رسوم هندسية مستلهمة من السدو:

     استخدام برمجيات هندسية مثل GeoGebra لرسم أشكال مستوحاة من نقوش "السدو" التراثي توظيفاً للرياضيات، الفن، الثقافة.

9.   تراثنا بالواقع المعزز:

   صميم تطبيق بسيط يعرض عناصر من التراث السعودي (كالملبوسات أو الأدوات) باستخدام تقنية AR عبر الهاتف توظيفاً للذكاء الاصطناعي، التقنية، الفن، التاريخ.

10. متحف الأزياء التفاعلي:

      تصميم معرض مصغر لأزياء المناطق السعودية داخل الفصل مع رموز QR تعرض مقاطع تعريفية باستخدام أدوات رقمية. توظيفاً للفن، الثقافة، التقنية، التصميم.


كيف يختلف C-STEAM عن STEAM التقليدي؟



التحديات التي قد تواجه المعلم في تطبيق C-STEAM

1.    ندرة المصادر التعليمية المصممة محليًا.

2.    الحاجة إلى تدريب المعلمين على ربط الثقافة بالمجالات العلمية.

3.    صعوبة التقييم في مشاريع تشمل مكونات وجدانية وثقافية.

4.    الخوف من الوقوع في التكرار أو النظرة الفلكلورية السطحية للثقافة.


خطوات عملية للمعلم لتطبيق C-STEAM

1.    ابدأ من واقع الطلاب: انطلق من قصصهم، بيئتهم، وأمثلتهم اليومية.

2.    ابحث عن الروابط الطبيعية بين محتوى المنهج وعناصر من الثقافة المحلية.

3.    صمّم مشروعات تكاملية تشمل أهدافًا من مختلف مجالات C-STEAM.

4.    شجّع العمل الجماعي والمشروعات المفتوحة التي تسمح بتنوع المنتج النهائي.

5.    وثّق التجربة وشاركها مع الآخرين (بث المعرفة)، لتوسيع أثر النموذج.


دور الذكاء الاصطناعي في نموذج C-STEAM

    مع إدراج مقرر الذكاء الاصطناعي رسميًا في مدارس التعليم العام، فإنه من الضروري دمجه في السياقات التعليمية التكاملية. ويُعد نموذج C-STEAM بيئة مثالية لتوظيف الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة تعليمية، ومجال تعلم مستقل، ومحفزًا للإبداع الثقافي والتقني.

كيف يخدم الذكاء الاصطناعي نموذج C-STEAM؟

  1. كأداة تعليمية ذكية
  • يمكن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تخصيص التعلم للطلاب وفقًا لاحتياجاتهم.
  • تحليل المشروعات الطلابية واستخلاص الأنماط ونقاط التحسين.
  1. كمجال تعلم متكامل
  • برمجة نماذج ذكاء اصطناعي بسيطة ضمن مشروعات C-STEAM.
  • تدريب الطلاب على أدوات توليد النصوص والصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي في إطار فني وثقافي.
  1. كجسر بين التقنية والثقافة
  • تطوير روبوتات تحاكي السلوك البشري الثقافي (مثل الروبوت الحكواتي).
  • استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الموروث الشعبي وتقديمه بطرق تفاعلية حديثة.


باختصار يمثّل الذكاء الاصطناعي فرصة ثمينة لتجديد محتوى التعليم وربطه بالواقع التقني الذي يعيشه الطلاب، شرط أن يُقدّم ضمن إطار تكاملي يوازن بين التقنية، والهوية، والإنسانية، وهو ما يتيحه نموذج C-STEAM بمرونة واقتدار.

ليس الهدف من التعليم أن نُخرِج نسخًا متشابهة تحمل الشهادات، بل أن نبني إنسانًا يُفكّر، ويبدع، ويعتز بهويته.


ختاماً : إنّ نموذج C-STEAM ليس مجرد إطار تعليمي، بل هو دعوةٌ لأن يكون الفصل امتدادًا للبيت والمجتمع، والمشروع مرآةً للواقع، والابتكار جسراً يصل ماضينا بمستقبلنا.

فلنُعلّم أبناءنا كيف يصنعون المستقبل... بأيديهم، وبعقولهم، وبقلوبٍ متجذّرة في ترابهم.

إن تبني نموذج C-STEAM ليس مجرد تطوير لمناهج أو إضافة نشاطات ثقافية، بل هو تحول في فلسفة التعليم نحو الإنسان الكامل: الماهر، الواعي، المتجذر، المنتمي. ومتى ما أصبح هذا النموذج جزءًا من الممارسة اليومية للمعلم، تحققنا من أننا نبني جيلاً يجمع بين العقل، والإبداع، والهوية.



المصادر:

Wang, H. (2022). Integrating Culture into STEAM Education. Journal of Multicultural Education.

Kim, H. et al. (2020). Cultural Responsiveness in STEM Curriculum. International Journal of STEM Education.

UNESCO (2019). Education and Cultural Identity.

P21 Framework (Battelle for Kids). 21st Century Learning and Global Competence.

وزارة التعليم السعودية (2022). الدليل الإرشادي لتعليم STEM في مدارس التعليم العام.