ترتقي الامم والمجتمعات بالمناهج المعدة لمجتمعها، فتسعى دائماً الى تطوير مناهجها لمواكبة تطورات العصر، فالعصر اصبح متسارع في متطلباته، واصبح جزماً على المنظمات التعليمية ان تراعي في مناهجها الانفجار المعرفي الذي لا يقف عند حاجز معين، ولذلك ادرك كل من له علاقة بالمنهج الدراسي ضرورة هندسة المنهج بما يتناسب مع النمو المعرفي في العصر .
ومن خلال ذلك تناول الدكتورة غادة الشامي في كتاب "هندسة المنهج" لعام 2020م، خمسة فصول، تناولت فيها عدد من المحاور الثرية بالمعرفة، و ذات الاثر الايجابي في تطبيقها على المناهج، وخُطت سطورها وفق خبرة سابقة، تميزت بالأسلوب العلمي الرصين، والبعد عن الحشو والاسهاب، الذي يفقد القارئ متعه القراءة، والطرح المتدرج في المعلومات، بدأ بالتعريف بهندسة المنهج وختاماً بمقاربات ميدانية للكشف عن متطلبات الاقتصاد الرقمي المستهدف لهندسة المنهج .
ومن خلال قراءة الباحثة تضمن الكتاب عدد من النقاط أوجزها بالتالي:
الفصل الاول:
تناول المؤلف مفهوم هندسة المنهج الذي ركز على كيفية بناء المنهج الدراسي، ووضح عدد من المفاهيم ذات العلاقة، مثل: الابتكار التكنولوجي والمعلومات و تكنولوجيا الاتصالات والاقتصاد الرقمي مبين الارتباط بين المصطلحات الآنفة الذكر، ووضح الفرق بين الابتكار والابداع لارتباطها بالابتكار التكنولوجي، وقد تنوعت في طرح المفاهيم لم تنحصر على مفهوم واحد مما يعكس لدينا الفكر الذي يجمع تحت مفهوم هندسة المنهج.
شد انتباهي اشارة المؤلف الى ان التكنولوجيا تمثل (80%) من اقتصاديات العالم المتقدم، لو تأملنا قليلاً العبارة لوجدنا جديتها في الواقع، فالتكنولوجيا اصبحت تمثل جزء كبير من واقعنا الحالي.
الفصل الثاني:
المنهج الدراسي لبنائه لابد من وجود منهجية معينه، ولذلك تناول الفصل نظرية المنهج والتربية، ايضاً بداية ظهور تعريف نظرية المنهج، وتناول عدد من التعريفات التي توضح في مجملها المبادئ والخطوط العريضة التي عن طريقها يتم الوصول الى التطبيق الفعال للمنهج المدرسي وفق معايير ومواصفات معينة.
تنوعت الكاتبة في طرح تصنيفات المنهج، وذكرت عدد من التصنيفات المرتبط بالمنهج، الا ان تصنيف مازن، اهتم بالنظرية المنهجية الناقدة، كونت في ذهني تساؤل لماذا اعتبرت من اشمل النظريات المنهجية واكثرها تضامناً؟ هل بالفعل تقع تحت المسمى الذي نسب اليها! الا انني من خلال الطلاع على ما ورد في التصنيفات وجدت انها تمتاز بالتعقيد وتهتم بالعلاقات المتداخلة للظواهر والمجالات المنهجية المختلفة .
ذُكر مفهوم انموذج المنهج الذي يعتبر بمثابة مخطط توضيحي لمجموعه عناصر المنهج، ونوه على وجود انواع للنماذج التي منها الانموذج: المجسم والرياضي والمفهومي والتخطيطي، ولنجاح الانموذج لابد من معايير يجب توافرها عند تصميمة ولذلك تناول المؤلف عدداً من المعايير والشرط اللازم توافرها للتصميم.
هندسة المنهج تتطلب تخطيط معين، ومن خلال ذلك تناول المحتوى للكتاب مفهوم تصميم المنهج، ومنطلقات تصميم المنهج التي يجب على مصمم المنهج وضعها في الحسبان ومنها: ( فلسفة المجتمع وخصائصه وطبيعة المادة الدراسية وطبيعة المتعلم وخصائص نموه وطبيعة المنهج كمنظومة).
لكل عملية تصميم مراحل متتالية يستوجب اتباعها للتصميم ناجح للمنهج وادرجت المؤلفة المراحل بصورة متتالية وكأنها ترسم الطريق الذي يصل بالمصمم للهدف المنشود الذي يسعى لتحقيقه، فالقارئ عندما يتناول المراحل يستطيع ان يخرج بصورة ذهنية سابقة لعملية التخطيط للنتيجة التي سيصل اليها تصميمة، وهنا يوضح مدى قدرة الكاتبة على الطرح البسيط والشارح لكل مرحلة.
للمنهج عمليات ووظائف، تسهم في الخروج بمنهج معداً اعداداً صحيحاً، واشار المؤلف الى ان هناك انظمة لهندسة المنهج لتقدر مدى فاعلية المنهج في اداء وظيفته، ووضح عدد من النقاط التي يجب ان يراعيها مصمم المنهج عند هندسته، ومراحل موضحة بالرسم التوضيحي الذي وضعه توشامب.
الفصل الثالث:
اشار المؤلف الى ان العصر الذي نعيشه يمتاز بالتغيرات السريعة ولذلك تناول الابتكار التكنولوجي في التعليم، الذي يلعب دوراً اساسياً في العملية التعليمية، وبين اهمية التكنولوجيا في التعليم وقدرتها في التغلب على الفروق بين المتعلمين واثارة اهتمام المتعلم، وتناول المؤلف المجال التكنولوجي في التعليم يأتي من ملامسة الكاتب للواقع والتغيرات التي تظهر في العصر الحالي وضرورة تواجدها في العملية التعليمية.
وضح الكاتب دور الابتكار في التعليم، والابتكار الذي اشار الية المؤلف ركز على الجانب التكنولوجي، الا ان هذا النوع من الابتكار يواجه تحديات ومنها شح البحوث التربوية في هذا المجال.
وللابتكار مجالات وهذه المجالات تساهم في الارتقاء بالمجتمع، وتنوعها يلائم تنوع المجتمع وفق احتياجاتهم، فالمجال التكنولوجي مرتبط بإنتاج الاجهزة الحديثة ويدخل ضمن هذا المجال ابتكار التطبيقات التي قد تساهم في تكوين مناهج الكترونية، وتطبيقات تعليمية مسانده للعملية التعليمية، والمجال العلمي يتناول علم الفيزياء والكيمياء والمجال الطبي الذي يهتم بمجال الصحة والصيدلة والطب البشري و المجال الاجتماعي مرتبط بالمجتمع والمجال صناعي يهتم بالصناعة والانتاج والمجال التجاري بالتسوق الالكتروني وغيرها والسياحي يساهم في جذب السياح والمجال التعليمي والتربوي مرتبط بالعملية التعليمية ولذلك تنوعه بتنوع الميول المجتمع.
ولكل مبتكر سمات شخصية يتمتع بها ويمكن من خلالها تمييز المجال الذي ترتبط به السمات الشخصية، ووضحت هذه السمات من خلال المؤلف وبين دور الاسرة والمدرسة والزملاء في تكوينها، ومن خلال ذلك نتأمل ذكر السمات الشخصية، وعندها يتبادر في الذهن ان السمات الشخصية مكتسبة، ولا يحصر ذلك على الابتكار الوراثي الذي قد يؤمن به الكثير من التربويين، بينما من خلال السطور التي تناولها المؤلف قد تكون ايضاً مكتسبة ويمكن تعزيزها.
والابتكار لا يقف عند حد معين لابد من اخذ الاعتبار في عملية تطويرها، ولم يغيب عن ذهن المؤلف عملية التطوير والاهتمام بالابتكار ومستويات الابتكار حيث اتضح انه لا يقتصر على مستوى معين، فقد اشار تايلور الى خمسة مستويات ووضح العمر الزمني الذي يقابل كل مستوى من هذه المستويات، ويعني ذلك ضرورة مراعاة العمر الزمني .
ويذكر ان للابتكار مؤشرات عالمية وله مجريات للإحساس بالمشكلة وفرض الفروض، وادوات من سبع مراحل لإتمام انشطة الابتكار، وهنا يظهر لنا الدقة في طرح المراحل والادوات المرتبطة بها .
واكد المؤلف على وجود قدرات للابتكار لابد ان تراعي ومنها: الطلاقة التي تنص على الاتيان بأكبر عدد من الافكار او البدائل المقترحة، والمرونة التي توضح قدرة الفرد على تناول الموضوع بأكثر من زاوية والاصالة التي تهتم بالأفكار الجديدة النادرة والأصيلة والتفاصيل اللازمة لجعل الفكرة اكثر وضوحا والحساسية للمشكلات والوعي بوجود مشكلة لإيجاد الحلول المنطقية لها.
واشار الى اهمية الابتكار في المناهج الدراسية للمتعلمين، ومدى الحاجة الية لمواجه تحديات المستقبل، والدور الذي تشغله المدرسة في تنمية الابكار لدى الطلبة، والدور الذي يقوم به المنهج في تنمية الابتكار، ولم يغفل الجانب المهم في العملية التعليمية المعلم ودوره في تنمية الابتكار، فعندما يكون المنهج يدعو الى الابتكار دون وجود معلم ملماً لما يحتويه المنهج لن تتحقق الاهداف المرغوبة ولذلك يتضح الدور الاساسية الذي يقوم به المعلم واسهامه في تنمية الابتكار.
لكل عملية معوقات وللابتكار معوقات تناولت في سطور محتوى الكتاب، لم تقتصر على طرح المعوقات وانما اُدرج بعض الطرق التي تساهم في التغلب على معوقات الابتكار، مما بين اهتمام المؤلف بإيجاد حلول ليكوّن لدى معدي المنهج ان لكل مشكلة حل ولا يتوقف الابتكار عند عائق معين .
وللتكنولوجيا دور في تنمية الابتكار وهذا ما اشار الية المؤلف ووضح تطبيقات المعلومات والاتصالات وما يتمتع به الانترنت من مميزات كونه من اهم ابتكارات العصر الرقمي، للابتكار التكنولوجي انشطة تقنية، وذات اهمية لمتطلبات العصر الحالي، وذُكر منها الذكاء الاصطناعي والنظم الخبيرة، وبين الاستفادة من استخدامها في العملية التعليمية، والاهمية التطبيقية التي تساهم من خلال توظيفها في المجال التعليمي.
الروبوت من اهم التطورات في مجال التكنولوجيا في التعليم، فأتضح من مفهومة والتطبيقات التي تسهم من رفع العملية التعلمية، والاستفادة منه في الحياة العامة وعلى وجه الخصوص في التعليم، واستوقفني الاستخدامات للروبوت التي شملت جميع المجالات، فهل حقيقة ان الروبوت قادراً على اداء جميع المهام !
وخصص المؤلف دراسة واقع الابتكار التكنولوجي وانشطته التقنية في منهج الحاسب وتقنية المعلومات، من حيث التطور التاريخي لمنهج الحاسب والتحديات التي تواجه تدريس الحاسب بالإضافة الى المعايير العالمية لمنهج الحاسب للمرحلة الثانوية .
الفصل الرابع:
الاقتصاد المعرفي وتحديات المستقبل من النقاط المهمة للحديث عنها، وبرزها المؤلف مُبين دورة الكبير في الارتقاء بالعمليات التي يقوم بها الانسان، استشراف المستقبل وتوضيح دورة في المناهج التعليمية، واساليب الدراسات المستقبلية التي تضمن عدد منها وهي: (السلاسل الزمنية – الاسقاطات السكانية – النماذج السببية – الالعاب والمباريات – تحليل الاثار المقطعية – الطريقة التشاركية – التنبؤ – تحليل اراء ذو الشأن والخبر – اسلوب دلفاي – اسلوب السيناريوهات).
تناول تفصيلا في اسلوب السيناريو موضحاً مفهومة الذي اعتبر احد الطرق الاستقرائية التي يمكن من خلالها استشراف المستقبل، والاهمية التي تتضح من السيناريو في اهتمامه بدراسة المستقبل للتأمل في واقع المجتمع ومساهمه ذلك في ترشيد متخذي القرارات السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي.
ولكل عمل خطوات يجب اتباعها لبناء السيناريو ابتداء من وصف الوضع الراهن والاتجاهات العامة، انتهاء بتحليلها وفق الغرض الذي اجريت من اجله.
ويعتبر اسلوب دلفاي الذي ينص على اتفاق الرأي بين مجموعة من الخبراء في تصور المستقبل ، وتناول الخصائص التي يتميز بها دلفاي، وخطوات تطبيقه، اسلوب دلفاي الذي شار الية المؤلف يتكون بخصائص متنوعة الا ان خاصية اداة لتحليل القضايا والمشكلات هل بالفعل يساهم في اتخاذ قرارات مستقبلية؟ وهل هذه القرارات تعتبر كفعل مبدئي قادراً لتحقيق هدف منشود! .
ويذكر ان للاقتصاد الرقمي نظريات ينبثق منها ومن ابرزها، نظرية شومبيتر ونظريه النمو الاقتصادي الجديدة، ومن خلال القراءة لنظرية شومبيتر وجد عدد من الانتقادات التي وجهت لها، بينما نظرية النمو الاقتصادي تناولت الانتقادات التي وجهت لنظرية شومبيتر وبذلك يمكن القول ان شومبيتر تناولت مشكلات اكثر من كونها طريقاً يرسم الاقتصاد الرقمي.
واشار المؤلف الى عدد من الاثار المترتبة عن الاقتصاد الرقمي، والذي قد يسهم الاطلاع عليها في التنبؤ بالأثار والتشجيع على مواكبة الاقتصاد المعرفي، الا ان الاقتصاد الرقمي يواجه معوقات وتحديات لها تأثير على توجيهات النظام التعليمي وحركته.
الفصل الخامس:
ذُكر في الفصل مقاربات ميدانية، أي دراسات ميدانية، ومرت بخطوتين رئيسيتين، فالأولى كشفت عن متطلبات الاقتصاد الرقمي المستهدف لهندسة المنهج، والاخرى هندسة منهج مقترح في الابتكار التكنولوجي، النقطتان اثارت اعجابي والعمق في ذكر ابرز نتائجها ان مثل هذه الدراسات تسهل مهمه هندسة المنهج لأنها ناتج من ميدان فعلي، والنتائج اكثر واقعية، ترسم طريق صحيح للقارئ للتوصل الى النتائج التي تساهم في الاطلاع على متطلبات العصر المعرفي.
وعندما نتحدث عن انموذج غادة الشامي لهندسة المنهج وعملياتها المنهجية، يمكننا القول ان النموذج واضح ومختصر ويسهل الوصول الى تصميم منهج وفق طريقة منظمة، والحصول على منتج فعلي ملائم لمتطلبات الاقتصاد الرقمي .
وفي الختام:
ومن خلال القراءة للكتاب " هندسة المنهج واستشراف مستقبل الابتكار التكنولوجي في العصر الرقمي" تبين لنا أهمية هذا الكتاب، والجهد المبذول فيه، وظهر لدى الباحثة الفائدة العلمية التي عادة من السطور التي خُط في الكتاب، والأسلوب العلمي الرصين الذي تميز به المؤلف، والواقعية التي اُدرجت في المحتوى، تكون من خلالها فكرة عميقة عن هندسة المنهج وما يهدف الية في المستقبل.
إعداد / أثير عبدالله الشهري
رابط الشراء للكتاب : https://kunashat-alwaraq.com/YZpeNE